الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***
وهو من أفضل الأعمال، وهو عندنا يجب إتمامه بعد الشروع فيه، وفي الكتاب إن تسحر بعد الفجر ولم يعلم بطلوعه مضى فيه ولا شيء عليه، فإن أفطر فعليه القضاء، وفي مسلم: قال - صلى الله عليه وسلم -: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه . قال سند: القضاء استحسان؛ لأنه مأمور بالإمساك بعد الإفساد، وواجب إذا أفسد لغير عذر عند مالك، وأوجبه (ح) مع القدرة، ونفاه (ش) مطلقا بل جوز الفطر له، وفي مسلم: قالت عائشة - رضي الله عنها -: دخل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا، قال: إني إذا صائم . ثم أتى يوما آخر فقلنا: يا رسول الله، أهدي إلينا حيس، فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائما، فأكل . زاد النسائي: وأصوم يوما مكانه، وقياسا على الشروع في تجديد الوضوء والصدقة. والجواب عن الأول: أنها قضية عين فلعلها مختصة، ويؤكده أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقدم شهوة بطنه على طاعة ربه، وعن الثاني: المعارضة بالقياس على الحج والعمرة إذا شرع فيها متطوعا، فإنه يجب الإتمام اتفاقا، وأما قوله تعالى: ولا تبطلوا أعمالكم . والنهي عن الإبطال يوجب الأداء، فيجب القضاء قياسا على النذر، وتوفية... وفي الموطأ عن عائشة وحفصة - رضي الله عنهما - أصبحتا صائمتين متطوعتين، فأهدي إليهما طعام فأفطرتا عليه، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت عائشة: فبدرتني حفصة - وكانت بنت أبيها - فسألت عن ذلك، فقال: اقضيا يوما مكانه . ولما قال السائل له - صلى الله عليه وسلم -: هل علي غير ذلك؟ قال: لا؛ إلا أن تطوع. فأثبت الوجوب مع التطوع وهو المطلوب. تنبيه: لا يوجد لنا أن الشروع ملزم إلا في ست عبادات: الصلاة، والصوم، والحج، والعمرة، والاعتكاف، والائتمام، وطواف التطوع، بخلاف الوضوء، والصدقة، والرفد، والسفر للجهاد، وغير ذلك؛ فإن صوم عاشوراء عند مالك مستحب، وعند الشافعي سنة، وفي أبي داود عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: وصوم عاشوراء إني أحتسب على الله تعالى أن يكفر السنة التي قبله . قال ابن حبيب: يقال فيه: تاب الله على آدم - عليه السلام -، واستوت السفينة على الجودي، وفلق البحر لموسى - عليه السلام -، وغرق فرعون، وولد عيسى - عليه السلام -، وخرج يونس - عليه السلام - من الحوت، ويوسف - عليه السلام - من الجب، وتاب الله تعالى على قوم يونس، وفيه تكسى الكعبة كل عام. ومن أصبح غير ناو لصومه أجزأه صومه أو باقية إن أكل، وهو مروي عنه - صلى الله عليه وسلم -. ويستحب فيه التوسعة على العيال، وهو عاشر المحرم، وقال (ش): التاسع، وفي مسلم عن الحكم بن الأعرج قال: أنتهيت إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو متوسد رداءه في زمزم - فقلت: أخبرني عن صوم عاشوراء؟ فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما، قلت: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه؟ قال: نعم، ولأنه مأخوذ من أظماء الإبل، وعادتهم تسمية الخامس ربعا. والجواب عن الأول: أنا نقول بموجبه، وليس فيها الاقتصار على التاسع. وعن الثاني: أنه معارض بأن الأصل في الاشتقاق الموافقة في المعني، والعاشوراء من العشر. وصوم عرفة مستحب، وقالت الشافعية: مسنون، ويستحب إفطاره للحاج ليقوى على الدعاء خلافا (ح)، وفي أبي داود وقال - صلى الله عليه وسلم -: صيام عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وفي أبي داود: نهي عن صيام يوم عرفة بعرفة. سؤال: قال العلماء: المراد بالتكفير الصغائر، وفي الكتاب العزيز: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم). فجعل اجتناب الكبائر مكفرا، وروي أن الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن، وأن الجمعة كذلك، وأن رمضان كذلك، وإذا حصل التكفير بإحدى هذه لا تكون الأخرى مكفرة، وإلا يلزم تحصيل الحاصل وهو محال. جوابه: معناه أن كل واحد منها شأنه التكفير، فإن فعل شيئا كفر، وإلا فلا ينتفي كونه من شأنه ذلك. وفي الجواهر: يستحب صوم تاسوعاء ويوم التروية، وقد ورد صوم يوم التروية كصيام سنة، وصوم الأشهر الحرم، وشعبان، وعشر ذي الحجة، وقد روي أن صيام كل يوم منها يعدل سنة، وفي مسلم: من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كأنما صام الدهر كله . واستحب مالك صيامها في غيره خوفا من إلحاقها برمضان عند الجهال، وإنما عينها الشرع من شوال للخفة على المكلف بسبب قربة من الصوم، وإلا فالمقصود حاصل في غيره، فيشرع التأخير جمعا بين مصلحتين، ومعنى قوله: فكأنما صام الدهر أن الحسنة بعشرة، فالشهر بعشرة أشهر، والستة بستين كمال السنة، فإذا تكرر ذلك في السنين فأنكا صام الدهر. سؤال: يشترط في التشبيه المساواة أو المقاربة، وههنا ليس كذلك؛ لأن هذا الصوم عشر صوم الدهر، والأجر على قدر العمل، ولا مقاربة بين عشر الشيء كله. جوابه: معناه فكأنما صام الدهر أن لو كان من غير هذه الأمة، فإن شهرنا بعشرة أشهر لمن كان قبلنا، والستة بشهرين لمن كان قبلنا، فقد حصلت المساواة من كل وجه. تنبيه: هذا الأجر مختلف الأجر، فخمسة أسداسه أعظم أجرا لكونه من باب الواجب، وسدسه ثواب النفل. فائدة. إنما قال: بست بالتذكير، ولم يقل بستة رعيا للأصل، فوجب تأنيث المذكر في العدد؛ لأن العرب تغلب الليالي على الأيام لسبقها: فتقول لعشر مضين من الشهر، واستحب مالك ثلاثة أيام من كل شهر، فكان يصومها أوله وعاشره والعشرين وهي الأيام البيض، واختار أبو الحسن تعجيلها أول الشهر وهي صيام الدهر؛ لأن الثلاثة بثلاثين كما تقدم. فائدة. قال ابن الجواليقي في إصلاح ما تغلط فيه العامة: تقول الأيام البيض فيجعلون البيض وصفا للأيام، والصواب أيام البيض أي: أيام الليالي البيض بحذف الموصوف وإقامة الوصف مقامه، وإلا فالأيام كلها بيض، والليالي البيض ليلة الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر؛ لأنها بيض بالقمر. وأسماء ليالي الشهر عشرة لكل ثلاث: اسم الثلاث الأول غرر؛ لأن غرة كل شيء أوله، والثانية نفل مثل زحل؛ لأنها زيادة على الغرر - والنفل الزيادة، وثلاث تسع؛ لأن آخرها تاسع، وثلاث عشر؛ لأن أولها عاشر، ووزنها مثل زحل أيضا، وثلاث تبع وثلاث درع كزحل أيضا؛ لاسوداد أوائلها وابيضاض سائرها، وثلاث ظلم كزحل أيضا؛ لأن كلا منها مظلم، وثلاث حنادس لسوادها..... لأنها بقايا، وثلاث محاق لامحاق القمر أو الشمس. وكره مالك صوم الدهر لئلا يصادف نذرا أو غيره، واستحبه أبو الطاهر، قال سند: أجازه مالك إذا أفطر الأيام المنهي عنها، وقاله (ش وح)؛ لما في أبي داود: أن حمزة الأسلمي قال له - صلى الله عليه وسلم -: إني رجل أسرد الصوم؛ أفأصوم في السفر؟ فقال: صم إن شئت فيحمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: من صام الدهر لا صام - على من لا يفطر ما نهي عنه، فإن نذره فأفطر ناسيا، قال عبد الملك: لا شيء عليه لتعذر القضاء؛ فإن تعمد الفطر فعليه كفارة المفطر يوما في رمضان، وقال سحنون: إطعام مسكين، وقياس المذهب الإثم فقط. وكره مالك تخصيص وسط الشهر بصوم، واستحب أبو حنيفة صوم الخامس عشر ويومين قبله، ورويت عنه - صلى الله عليه وسلم -: أنها الأيام البيض والغر. واستحب السابع والعشرين من رجب، فيه بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم -، وخمسة وعشرين من ذي القعدة فيه أنزلت الكعبة على آدم - عليه السلام - ومعها الرحمة، وثالث المحرم فيه دعا زكريا ربه واستجاب له، وصوم شعبان؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر صومه فيه، وفيه ترفع الأعمال، وصيام يوم نصفه وقيام ليلته. وفي الكتاب: لا أحب للمرأة التي تعلم حاجة زوجها إليها أن تصوم إلا بإذنه؛ لما في أبي داود قال - صلى الله عليه وسلم -: لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه . قال سند: فلو أذن لها لم يكن له إبطاله، وله إن لم يأذن، وأم الولد والسرية كذلك قاله مالك، وقال ابن حبيب: لا إذن له على إمائه ولا ذكور عبيده إلا أن يضعفهم عن الخدمة، وليس للزوج تفطير زوجته الذمية في صومها الواجب في دينها - قاله ابن القاسم. وفي الكتاب: إنما يؤمر الصبيان بالصوم بعد البلوغ، بخلاف الصلاة - خلافا للشافعية، قال سند: وروى أشهب يؤمرون عند القدرة، وصومهم شرعي عندنا، وقال (ح): امساك للتمرين، وقاله في الصلاة. لنا قوله - صلى الله عليه وسلم - حين سألته المرأة عن الصغير: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر، وقياسا على صوم البالغ، وإذا قلنا يصوم عند القدرة فأفطر وهو يقدر، أمر بالقضاء عند ابن الماجشون، وعلى قول سحنون في الصبية تجامع فتصلي بغير غسل، لا تقضي ما خرج وقته من الصلاة ولا تقضي الصوم؛ فإن أفطر عجزا؛ أمر بالقضاء عند عبد الملك، وأن لا يقضي أحسن. وأصله الاحتباس، والعكف الحبس، ومنه قوله تعالى: (والهدي معكوفا). (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا). (وأنتم عاكفون في المساجد). وعكف يعكف - بضم الكاف وكسرها - وهو في الشرع: الاحتباس في المساجد للعبادة على وجه مخصوص، وفيه خمسة فصول: وهي ثلاثة: الشرط الأول: اللبث في المسجد خلافا لابن لبابة؛ لما في أبي داود: قالت عائشة - رضي الله عنها -: السنة على المعتكف ألا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما بذمته، ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع، وفي الكتاب: يخرج لغسل الجمعة وغسل الجنابة، ولا يغسل ثوبه إذا خرج، ويخرج لشراء الطعام ثم يرجع عنه لأنه يمكنه إعداد ذلك والاستنابة فيه. قال سند: وإذا قلنا يخرج فلا يتحدث مع أحد، فإن فعل وطال قطع التتابع، وإن تحدث من غير وقوف لم يضر، قال ابن القاسم في الكتاب: إن خرج لدين له أو غلبه أحد فسد اعتكافه؛ لإعراضه عن ملازمة العبادة التي هي رفيقة الاعتكاف، قال سند: وروى ابن نافع إن أكرهه القاضي أحب إلي أن يستأنف، فإن بنى أجزأه لعجزه عن دفع الإكراه كقضاء حاجة الإنسان. قال مالك: (........) - الإمام أطلقه حتى يخرج إذا لم يعتكف فرارا، فإن نفذ صبر صاحب الدين أو طالت المدة، أحضره أو وكيله، ويؤخره في الحد لأنه يسقط بالشبهة، فإن أخرجه جاز لوجوبه، قال مالك: ويؤدي الشهادة في المسجد ولا يخرج، وفي الكتاب: ليس له أن يشترط ما يغير سنة الاعتكاف ولا أنه متى شاء خرج، ولا تعتكف المرأة في مسجد بيتها - وقاله ابن حنبل خلافا (لـح وح)، وش) محتجين بما في الموطأ أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه، وجد أخببة: خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، فلما رآها سأل عنها فقيل له: هذا خباء عائشة وحفصة وزينب، فقال: - صلى الله عليه وسلم -: ألبر تقولون بهن، ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال. وجوابه: أنه حجة لنا من جهة فعلهن لذلك، فدل على أنه معلوم عندهم، وإنكاره - صلى الله عليه وسلم - لم يصرح فيه بأنه للمسجد، بل لكونهن قصدن القرب منه غيرة عليها، فخشي عليهن ذهاب الأجر، ولأنه شرط للرجال فيكون للنساء كالجمعة. وفي الكتاب: من تلزمه الجمعة لا يعتكف إلا في المسجد الجامع، وإلا ففي أي مسجد شاء. قال ابن حنبل، و(ح): لا يعتكف إلا في مسجد تقام فيه الجماعة؛ لوجوبها عند ابن حنبل وترك فضيلتها عند (ح). لنا عموم قوله تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد). قال سند: فإن اعتكف في غير الجامع فأتت الجمعة خرج اتفاقا، ويبطل على المشهور؛ لأنه أدخله على نفسه بغير ضرورة - وقاله (ش)، وروي عن مالك الصحة - وقاله (ح)؛ لأن الخروج إليها مستثنى شرعا، كما استثنى للغائط طبعا، فإن لم يخرج يختلف في بطلان اعتكافه بالمعصية الصغيرة، أو لا يبطل إلا بالكبيرة، وإذا خرج قال مالك: يتم اعتكافه بالجامع، وقال عبد الملك: يعود إلى مسجده لتعينه باعتكافه، ولأنه لو خرج إلى البول لا يدخل مسجدا هو أقرب من الأول، ولو كانت الأيام لا تأتي فيها الجمعة فمرض فخرج ثم رجع لتكميل الاعتكاف فأتت الجمعة فيه... بينه، وبين الأول لذهاب المتابعة، وفرق عبد الملك... ولو كانت الأيام تأتي فيها الجمعة فحدث له عذر يسقطها صح اعتكافه، وفي الكتاب: يعتكف في عجز المسجد ورحابه، واختلف قوله في صعود المؤذن السطح والمنار بالكراهة والإباحة، والأول المشهور. قال سند: الرحبة ما كان مضافا إلى المسجد وإن كان خارجه، ويكون لها حكم المسجد، وقال الباجي: معناه داخل المسجد، ولا يصح خارجه، وظاهر قول مالك خلافه، وأجاز مالك لمن اعتكف بمكة دخول الكعبة؛ لأنها في حكم المسجد. الشرط الثاني: الصوم وقاله (ح)، خلافا (لـش) محتجا بما في الموطأ أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من شوال، ويوم الفطر لا صوم فيه، وقال عمر - رضي الله عنه - له - صلى الله عليه وسلم -: إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية، فقال له: أوف بنذرك، والليل لا صوم فيه، ولأنه ليس شرطا في اعتكاف الليل فلا يكون بالنهار إذ لا... أثناء العبادة، ولأنه لبث في مكان مخصوص، فلا يشترط فيه الصوم قياسا على الوقوف بعرفة. والجواب عن الأول: إن خروج يوم الفطر من العشر لا يعد بإطلاق لفظ العشر عليه. وعن الثاني أن الدارقطني روى: أوف بنذرك وصم، أو إن الصوم كان أول الإسلام بالليل، ولعل ذلك قبل نسخه. وعن الثالث أن... كالنية الفعلية. وعن الرابع: قلبه عليهم بأنه لبث في مكان مخصوص فلا يستدل به قياسا على الوقوف بعرفة. لنا حديث عائشة المتقدم، وأجمعنا لو نذر الاعتكاف صائما لزمه الصوم، ولو لم يكن شرطا لما لزم كما لو نذر الاعتكاف متصدقا؛ لأن الجمع بينهما ليس قربة بالشرع، وكل واحد قربة على حدته، وأما نذره الحج ماشيا فإن المشي مكمل الحج بالتواضع فيه، وإلا فالأصل أن هذه الأحوال لا تلزم في النذور، قال ابن يونس: وسواء كان الصوم له أو لغيره، كالطهارة شرط في الصلاة وقد تفعل لغيرها، قال عبد الملك: وله أن يعتكف في قضاء رمضان وكل صوم واجب، وإن نذر الاعتكاف فلا يعتكفه في صوم واجب لإيجاب النذر الصوم، وقال ابن عبد الحكم: له أن يجعله في صيام النذر، قال اللخمي: ولو اعتقد أنه يجعله في صوم واجب أو كان يجهل أن الصوم شرط، جاز أن يجعله في أي صوم شاء، قال صاحب المنتقى: أجاز مالك جعله في أي صوم شاء خلافا لعبد الملك؛ لأنه لو نذر صلاة لا يجب عليه أن يتطهر لها، بل يكتفي بطهارة غيرها، وفي الكتاب: إن أفطر متعمدا انتقض اعتكافه، أو ناسيا اعتكف يوما مكانه ووصله باعتكاف، فإن لم يصله ابتدأ، قال ابن يونس: قال ابن حبيب: ذلك في النذر، أما التطوع فلا قضاء مع النسيان، قال: يحتمل إن يكون خلافا لقول مالك أو وفاقا، وحكاه سند خلافا عن عبد الملك، قال: والفرق لمالك بينه وبين التطوع بالصوم أنه يتعين بنية الدخول، كما يتعين بالنذر، وقال ابن القاسم في الكتاب: إن عجز عن الصوم لمرض خرج، فإذا صح بنى فإن فرط في البناء ابتدأ، فإن صح في بعض النهار وقوي عن الصوم دخل حينئذ ولا يؤخر ذلك، قال مالك: وإذا طهرت الحائض رجعت حينئذ، فإن كان يوم الفطر في مدة اعتكافه وصح قبله بيوم يرجع ولا يبيت ليلة يوم الفطر في معتكفه، فإذا قضىيوم الفطر عاد. وروى ابن نافع: يرجع بعد صلاة العيد ولا يعتد بذلك اليوم، قال سند: إن كان مرضه لا يلزمه الخروج من المسجد وجبت الإقامة ليأتي من العبادة بالممكن، وروي عن مالك: يخرج حتى يقدر على الصوم فلا اعتكاف إلا بصوم. وقد خرج بعض المتأخرين على هذا أنه إذا صح أو طهرت في بعض النهار لا يرجعان لعدم الصوم، والفرق أن طرو العذر ممكن الدوام فيبقى مدة معتكفا بغير صوم، بخلاف ارتفاعه فإنه يتعقبه الصوم من الغد فلا يمنع، كما لو زال العذر بالليل. والفرق بين ليل الفطر وغيره أن سائر الليالي وقت لابتداء الاعتكاف، فيكون وقتا لاستدامته، وأن سائر الليالي قابل لنية الصوم بخلاف الفطر. وإذا قلنا لا يخرج ليلة العيد على رواية ابن نافع، فقد خالف سحنون في الخروج إلى الصلاة، وهو مبني على الخلاف في الخروج إلى الجمعة. وظاهر قوله فيمن اعتكف العشر فمرض أنه: يقضي أيام المرض بعد العيد، أن الاعتكاف المعين بخلاف الصيام المعين، والفرق أن الاعتكاف أشبه بالحج والعمرة؛ لتعلقه بالمسجد وبقائه مع المرض كبقاء الإحرام مع فوات الحج وفساده، ولأنه يلزم متابعته بالنية، كما يلزم بالبدن بخلاف الصوم، وقد قال سحنون: يقضى اعتكاف رمضان لوجوب قضاء صومه وصيرورة الاعتكاف معه كالعبادة الواحدة بخلاف غيره، فلو استغرق المرض أو الحيض جميع العشر الذي نواه أو نذره فلا قضاء عليه عند سحنون في رمضان ولا في غيره؛ لأن الحج، والعمرة إذا نذرهما في سنة معينة فمرض لا يقضيهما، وعند ابن عبدوس يقضي في الموضعين توفية بالسبب، وعلى أصل عبد الملك إن قصد بنذر الأيام أمرا يختص بها لم يقض وإلا قضى، قال الباجي: ظاهر المذهب لا يقضي في غير رمضان، وإذا رجعت الحائض والمريض في بعض النهار، روى ابن القاسم: لا يعتد بذلك اليوم لعدم الصوم: فإن طهرت قبل الفجر اغتسلت ونوت ودخلت المعتكف [حين تصبح]، ويجزيها عند مالك، وقال سحنون: لا يجزيها حتى تدخل أول الليل كابتداء الاعتكاف، وهو مبني على الخلاف في الابتداء: فعند سحنون لا يجزيه إلا من أول الليل، وعند مالك وغيره يجزيه، وإذا قلنا بالإجزاء ففرطت، استأنفت الاعتكاف. الشرط الثالث: الاقتصار على العبادة اللائقة بالاعتكاف، قال صاحب المقدمات: مذهب ابن القاسم الاقتصار على الصلاة وقراءة القرآن والذكر، ومذهب ابن وهب جملة الأعمال المختصة بالآخرة كمدارسة العلم وعيادة المرضى وصلاة الجنازة إذا انتهى إليها الزحام، بخلاف الحكم بين الناس والإصلاح بينهم. سؤال: منعه في الكتاب من الجنازة وجوز للمتنفل في الصلاة الرد علىالمؤذن. كلاهما أدخل في العبادة ما ليس منها. جوابه: أن المسجد لم يوضع للجنازة، والصلاة وضعت للذكر، والرد على المؤذن ذكر، وفي الكتاب: لا يصلي على الجنازة وإن انتهى إليه المصلون، ولا يعود مريضا في المسجد، ولا يعزي، ولا يهنئ، ولا يعقد نكاحا في المسجد إلا أن يغشاه في مجلسه؛ لحديث عائشة - رضي الله عنها - المتقدم؛ ولأن الاعتكاف يقتضي عبادة مخصوصة، فلا يدخل فيه غيرها قياسا على الصلاة، وله أن يأمر بمصلحته ومصلحة أهله، ويبيع ماله إذا كان خفيفا، ويكره خروجه لحاجة الإنسان في بيته سدا للذريعة، ويتخذ موضعا بقربه. وفي الجواهر: إذا خرج لما يتعين عليه من جهاد أو حق أو دين أو إكراه ففي بطلان اعتكافه قولان، قال سند: فإن خرج للجنازة أو عيادة مريض بطل اعتكافه، وإن صلى عليها في المسجد كره ولا يبطل، كما لو دعا لأحد أو تحدث معه، فإن مات معه أحد في المسجد وليس معه من يجهزه تعين عليه الخروج، ويتخرج بطلان اعتكافه على من نزل عليه العدو فخرج للجهاد، رجع مالك إلى أنه يبني بعد قوله يبتدئ. قال مالك: ويجوز ذهاب بعض المعتكفين إلى بعض للعشاء ونحوه، ويشتري له طعامه إذا اشترى طعام نفسه، وإذا منعنا عيادة المرضى فمرض أحد أبويه، قال ابن القاسم: يخرج لعيادته لوجوب بره ويبتدئ اعتكافه، قال مالك: ولا يخرج مع جنازته، والفرق أن عدم العيادة يسخطهما بخلاف التشييع. وفي الكتاب: له أن يتزوج ويتطيب بخلاف الحج، والفرق بينهما [في العقد] من وجوه: أحدهما: طول زمان الحج فيخشى من العقد الوطء. الثاني: أن إفساده أعظم حرجا. الثالث: أنه منع في الحج من الطيب والنظافة والزينة، فمنع من العقد لفرط التشديد بخلاف الاعتكاف. وفي الكتاب: لا يجلس مجالس العلم ولا يكتب، قال ابن نافع: إلا الشيء الخفيف؛ لأنها عبادة شرع لها المسجد، فلا يشرع فيها كالصلاة والطواف. وفي الكتاب: لا يأخذ من شعره وأظفاره، وإن جمعه ألقاه لحرمة المسجد. قال سند: فإن فعل لا يبطل اعتكافه، فإن كان له حاجز عن الناس فقد خفف له ابن حبيب في ذلك، ويجوز أن يخرج يده أو رأسه من المسجد لذلك. وإذا خرج لغسل الجمعة، فله في بيته نتف الإبط، وتقليم الأظفار، وحلق العانة للجمعة، ولا تجوز له الحجامة، والفصادة، والبول، والغائط في المسجد، فإن فعل يختلف في بطلان اعتكافه نظرا لكونه كبيرة أم لا. ويكره له السواك من أجل ما يلقيه من فيه في المسجد، وكره مالك للمؤذن إقامة الصلاة؛ لأنها غير فعل الاعتكاف. وهو كل من تصح منه العبادة، وفي الكتاب إن أذن لرقيقه أو زوجته في الاعتكاف فليس له قطعه، فإن نذره العبد فمنعه سيده فهو عليه إذا أعتق وكذلك الصدقة والمشي، قال ابن القاسم: فإن نذره المكاتب وهو يسير لا يضر لا يمنعه، وإن أضر بالسعي منعه. قال سند: إن لم يأذن للرقيق فهو مجبر في قطعه، وإن أذن في النذر المطلق فله المنع؛ لأنه ليس على الفور، وإن نذر معينا بغير إذنه فمنعه، فعلى قول مالك يقضيه، وعلى قول ابن الماجشون، وإن نذر الأيام لمعنى فيها لم يقض، وإلا قضى، وأسقطه سحنون مطلقا، والزوجة كالعبد، وإذا أذن للمكاتب فأخرجه الحاكم عند حلول الأجل والعجز فللسيد منعه. وفي الكتاب: لم يبلغني عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن - وليس بحرام، وإنما تركوه لشدته لاستواء ليله ونهاره، قال سند: قال مالك في المجموعة: تركوه؛ لأنه مكروه في حقهم؛ لأنه كالوصال المنهي عنه. وفي الكتاب، قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال: الاعتكاف يوم وليلة، فسألته فأنكره، وقال: أقله عشرة أيام وبه أقول، قال سند: ظاهر قوله أن أقل من العشرة لا يكون مشروعا، ويحتمل أن يريد أن ذلك الأحسن، والعشرة هي عادته - صلى الله عليه وسلم - ولا ينبغي مجاوزتها للسنة - وإن كان في أبي داود أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العام الذي قبض فيه عشرين يوما. وقال ابن القاسم في العتبية: لا بأس باليوم واليومين، وفي الجلاب: أقله يوم والاختيار عشرة. وفي الكتاب: من اعتكف أواخر رمضان دخل غروب الشمس ولا يرجع إلى أهله حتى يشهد العيد؛ لأنه مروي عنه - صلى الله عليه وسلم -، وعن أبي بكر بن عبد الرحمن: وإن اعتكف وسطه رجع إليهم آخر أيام الاعتكاف، وقال ابن يونس: فإن خرج ليلة الفطر أو فعل فيها ما يبطل الاعتكاف، بطل اعتكافه؛ لاتصالها به كركعتي الطواف بالطواف - وقاله عبد الملك، وقال سحنون: هذا خلاف قول ابن القاسم بل ذلك مستحب. قال سند: الدخول من الغروب لمالك و(ش) و(ح) خلافا لابن حنبل؛ لأن الليلة أول اليوم، فيدخل قبل الغروب ليتمكن من جملة الليلة، فإن لم يدخل إلى الفجر، قال عبد الوهاب: أجزأه عند مالك وأصحابه وإن كان نذرا؛ لأن الصوم إنما يكون بالنهار، وقال عبد الملك: لا يحتسب به ويستأنف عشرة بعده؛ لاستواء الليل والنهار في الاعتكاف. وفي الجلاب: إذا كان يوم الفطر في اعتكافه خرج يوم الفطر إلى أهله وعليه حرمة الاعتكاف وعاد قبل الغروب، وقال عبد الملك: لا يخرج ويكون يومه كليل أيام الاعتكاف. وفي الكتاب: لا يعتكف أهل الثغور إلا مع الأمن؛ لأن حفظ المسلمين أولى، فإن اعتكف ونزل خوف خرج، فإن أمن ابتدأ، ثم رجع إلا أنه يبني كالمريض. والجوار كالاعتكاف، إلا من جاور نهارا بمكة دون الليل فلا يلزمه الصوم، ولا يلزم بالدخول والنية إلا اليوم الأول، والجوار بمكة وسائر المساجد قربة تلزم بالنذر، قال سند: يريد أن من قال لله علي أن أجاور ليلا ونهارا عدة أيام، فهو اعتكاف بلفظ الجوار، ولو نوى جوار يوم كان له الترك بعد الدخول فيه؛ لأن جواره عبادة وليس فيه صوم. وفي الكتاب: إذا طلقت أو توفي عنها زوجها وهي معتكفة أتمت اعتكافها، وقال (ش): تخرج ليلتها. لنا أنها عبادة سبقت فلا تقطع بالعدة كالحج والعمرة، قال سند: فإن خرجت بطل اعتكافها، وإن تقدمت العدة وتركت بيتها واعتكفت، صح اعتكافها كالصلاة في الدار المغصوبة، ومن أبطل الاعتكاف بكل ذنب أبطله هاهنا، ولو اعتكفت فحاضت فخرجت وطلقت قبل الرجوع، روى ابن القاسم ترجع فتعتد في المسجد لتقدم حق العبادة. وفي الكتاب: يجب الاعتكاف بدخول المعتكف المعتكف بنية فيلزمه المنوي من الأيام خلافا لـ ش)، أو بالنذر؛ لأنه أشبه الحج والعمرة من جهة تحريم المباشرة واشتراط المسجد واللبث في مكان مخصوص؛ فيجب بالشروع قياسا عليها، ولأن الاعتكاف معناه لغة الملازمة، واللازم هو الذي لا يفارق، فمن نوى الاعتكاف فقد نوى ما لا يجوز تفريقه فيكون متتابعا وهو المطلوب، قال ابن يونس: فإن تركه قبل الدخول وبعد النية جاز، قال ابن الماجشون: فإن نوى عدة منقطعة، لم يلزمه إلا الذي شرع فيه. وهي ستة: الأول: مباشرة النساء، وفي الكتاب: إذا جامع أو قبل أو باشر ليلا أو نهارا ناسيا أو متعمدا فسد اعتكافه ويبتدئه، وقاله (ح) وابن حنبل، وخالف (ش) في الوطء ساهيا؛ لأنه على أصله لا يبطل الصوم. لنا قوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد). فنهى عن مطلق المباشرة فيعم، قال سند: إن وقع اللمس لغير شهوة، فلا شيء عليه إجماعا، وفي الموطأ عن عائشة - رضي الله عنها -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدني إلي رأسه فأرجله. ولو مرض المعتكف فباشر بطل اعتكافه، وكذلك لو حاضت المرأة فخرجت فوطئها زوجها - قاله ابن الماجشون فيهما؛ لأنه لم يوجد مبيح للمباشرة، قال صاحب النكت: ولو كانت مكرهة كما يبطل الصوم مع الإكراه، قاله ابن القاسم، ولها أن تتصرف في حوائجها وتصنع ما أرادت إلا المباشرة - لأن المنع من ذلك كان للاشتغال بالمسجد وقد فاتت، ومنعها سحنون لبقاء حرمة الاعتكاف. وفي الكتاب: تأكل امرأته معه في المسجد وتحدثه وتصلح شأنه ما لم يلتذ ليلا أو نهارا. وفي الجواهر الثاني والثالث: الردة والسكر قارنا الابتداء أو طريا، ويجب الاستئناف. الرابع والخامس: الجنون والإغماء يوجبان البناء دون الاستئناف، وقال سند: إن كان في عقله عند الفجر أو أكثر النهار أجزأه على ما مر في الصوم. السادس في الجواهر: الكبيرة مبطلة عند العراقيين وإن صح الصوم، كالقذف وشرب الخمر قبل الفجر - قاله في الكتاب؛ لأن الاعتكاف غاية التبتل للعبادة فتنا فيه المعصية، كما قلنا أن المطلوب من الصلاة الخشوع والتذلل لله تعالى، فتبطل بالتكبر المنافي لها بخلاف غيره، قال سند: وسواء سكر أم لا، ولو شرب لبنا أو دواء مخدرا فسكر كذلك زعم بعض المتأخرين تخريجه على الخمر، وليس كذلك لعدم العصيان، قال أبو الطاهر: ورأى المغاربة أن الكبائر لا تبطله قياسا على الصوم خلافا للبغداديين. وفي الكتاب: من نذر اعتكاف يوم وليلة لزمه ذلك أو عكوف ليلة أو يوم لزمه يوم وليلة خلافا لـ (ش) في الثاني، أو عكوف شهر لا يفرقه، وليعتكف ليله ونهاره واستتباع الليل وللنهار؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: من صام رمضان وأتبعه بست من شوال . ولم يقل بستة فأعرض عن الأيام وذكر الليالي، لاندراج الليلة في لفظ اليوم. قال سند: فلو اقتصر على النهار لا يجزيه عند سحنون خلافا لعبد الوهاب، وروي الإجزاء عن مالك. ولو نذر عكوف بعض يوم لا يصح عندنا وعند ابن حنبل، خلافا (ش) على أصله في عدم اشتراط الصوم، ونحن على أصلنا في اشتراطه، وكان بعض السلف إذا جلس في المسجد ساعة يأمر جلساءه بنية الاعتكاف ليحصل أجره على رأي من يعتقده. وأما، وجوب المتابعة في أيامه فللسنة، ولأن الاعتكاف معناه الملازمة، والملازم لا يفارق، فقد تناول لفظه عدم التفريق، قال ابن القاسم في الكتاب: من نذر اعتكاف شهر بعينه فمرض فلا شيء عليه، وإن أفطره فعليه القضاء. فإن حاضت المرأة وصلت القضاء باعتكافها قبل [ذلك، فإن لم تصل ابتدأت، قال سند: إن حاضت أول الشهر فلا قضاء إلا يوم] حيضها على المشهور. وعلى القول بالقضاء، فبأنها لا تقضي عند سحنون إلا في رمضان: فلو مرضت في أول الشهر ثم حاضت قضت المفرط فيه، فإن مرضت في وسطه فكالحيض. قال ابن القاسم في الكتاب: وناذر أيام التشريق كناذر الصوم فيها يلزمه الرابع فقط، قال سند: قال أبو الفرج تلزمه كلها، ويتخرج اليوم الرابع على جواز صومه، وناذر الاعتكاف بمسجد الفسطاط إذا اعتكف بمكة أجزأه، ولا يجب الخروج إلا إلى مكة والمدينة وبيت المقدس، فلو نذره بمسجد المدينة لم يجزه بالفسطاط؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا . ولو نذره بالمدينة، وجب عليه السعي ولو كان بمكة أو بيت المقدس. وفي الكتاب: إذا نذر صوما بموضع يتقرب بإتيانه إلى الله تعالى، لزمه ذلك ولو كان بمكة والمدينة، قال ابن يونس: ومن نذر اعتكافا بساحل من السواحل اعتكف في موضعه بخلاف الصوم؛ لأن الصوم لا يمنعه من الحرس. قال سند: والفرق بين نذر الصوم بموضع إتيانه قربة، وبين نذر الاعتكاف بالفسطاط: أن المساجد في حرمة الصلوات سواء إلا الثلاثة التي في الحديث، وسد الثغور في الرباط يختص فضله ببعض المواضع، وفي الجواهر إذا قال: اعتكف في هذا الشهر فسد أوله بتعمد إفساد آخره واستأنفه متتابعا، والشروع كالنذر، وفي الكتاب: من نذره ثم مات وأوصى بالإطعام عنه، أطعم عنه عدد الأيام مدا مدا لكل مسكين، ولو نذره مريضا لا يستطيع الصوم ثم مات قبل صحته وأوصى بالإطعام إن لزمه فلا شيء عليه، قال سند: ولا إطعام في الاعتكاف، لكن لما أوصى انصرف إلى عرف الشرع في الإطعام. اختلف في معنى هذا القدر، فقيل: الشرف فهي شريفة، وقيل: من التقدير؛ لأنها تقدر فيها الأرزاق والكائنات على أحد القولين في قوله تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم). قيل: ليلة النصف من شعبان، وقيل: ليلة القدر، ومعنى ذلك عند الملائكة الموكلة بها، وإلا فكل شيء قد قدر في الأزل، ومعنى قوله تعالى: (خير من ألف شهر)؛ أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، فتكون الركعة فيها خيرا من ثلاثين ألف ركعة، وكذلك سائر أنواع البر وشهود مغربها وعشائها. وخصت به هذه الأمة، لقصر أعمارها ليحصل فيها لهم ما يحصل في الأعمار الطويلة لطفا بها. قاعدة: الأصل في كثرة الثواب والعقاب وقلتهما، كثرة المصالح أو المفاسد أو قلتها، وقد يفضل الله تعالى أحد المستويين من كل الوجوه على الآخر، كالأنبياء - عليهم السلام - خصوا بالنبوة والدرجات العليا بمجرد تفضيله تعالى، وإلا فهم قبل ذلك كسائر البشر(إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل). جرده من كل شيء وحصره في العبودية المحضة بقوله: (إن هو إلا عبد)، ثم أفاض عليه نعمه بقوله: (أنعمنا عليه). وكمكة والمدينة مع سائر البقاع، وكذلك الأزمنة مستوية، وخص الله تعالى ما شاء بما شاء لا لأمر رجح فيها بل بمجرد الفضل. نسأل الله تعالى من عظيم فضله الذي لا يعطيه غيره ولا يملكه سواه. واختلف الناس في زمانها على خمسة عشر قولا: قال صاحب القبس: الأول لابن مسعود السنة كلها. وقيل: رمضان كله؛ لقوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ). الثالث لابن الزبير: ليلة سبع عشرة منه، وهو مروي عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله تعالى: (وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان) -وكان ذلك فيها. الرابع لأبي سعيد: إحدى وعشرون؛ لرؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، وكان فيها. الخامس لعبد الله بن أويس: ثلاثة وعشرون، وهو مروي عنه - عليه السلام -. السادس: خمس وعشرون. السابع لأبي: سبع وعشرون، وقال أخبرنا - صلى الله عليه وسلم - أن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء لا شعاع لها، كأن أنوار الخلق في تلك الليلة تغلبها، وكان ابن عباس يحلف على أنها في هذه الليلة، وكان يقول السورة ثلاثون كلمة فإذا، وصلت إلى قوله تعالى: (هي) فهي سبعة وعشرون منها. وكان يقول: خلق الإنسان من سبع؛ لقوله تعالى: (من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين). ويأكل في سبع؛ لقوله تعالى: (وأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا). فالأب للأنعام، والسبع للإنسان، ويسجد على سبع، والأرضون سبع، والسماوات سبع، والطواف سبع، والجمار سبع. الثامن: تسع وعشرون. التاسع للأنصار: أنها في أشفاع هذه الأفراد، وأصله عندهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: اطلبوها في تاسعة تبقى قالوا: هي ليلة اثنتين وعشرين، ونحن أعلم بالعدد منكم. قال سند: ومذهب مالك في الكتاب و(ش): أنها في جملة العشر؛ لما في أبي داود قال - صلى الله عليه وسلم -: التموسها في التاسعة والسابعة والخامسة . قال مالك في الكتاب معناه: ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين، وهذا محمول على نقصان الشهر، وأما مع تمامه فليلة اثنتين وعشرين وأربع وعشرين وست وعشرين. قال صاحب المقدمات: وقيل: لتسع مضت وسبع مضت وخمس مضت عدت القول. الثاني عشر الثالث عشر ليلة النصف، قال سند: ليلة النصف من شعبان. ويبطله قوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، وقوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن). الرابع عشر: قال صاحب المقدمات: هي في العشر الوسط من رمضان. الخامس عشر: قال سند: قيل ارتفعت بعده - صلى الله عليه وسلم -.
|